قال العلم كلمته. إننا بعيدون كثيراً عن تحقيق الأهداف المناخية الحيوية. وآثار تغير المناخ والظواهر الجوية الخطرة تُنذِر بتراجع المكاسب الإنمائية، وتُهدِّد رفاهية الناس والكوكب؛ هذا ما أورده تقرير جديد مشترك بين الوكالات تتولى تنسيقه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
الرسائل الرئيسية
تقرير مشترك بين الوكالات يسلط الضوء على التحديات والفرص
قرارات قمة المستقبل: الاختيار بين المُضي قُدُماً أو الإخفاق
الآثار المتزايدة لتغير المناخ تُهدِّد بتراجع المكاسب الإنمائية
الفجوة تتسع بين الواقع والمأمول
التكنولوجيات الجديدة والابتكارات عوامل قد تُغيِّر قواعد اللعبة
العلوم الطبيعية والاجتماعية جزء من نهج أوسع مشترك بين التخصصات
ويقول تقرير "متحدون في العلوم" إن غازات الاحتباس الحراري ودرجات الحرارة العالمية وصلت إلى مستويات قياسية. ولا تزال الفجوة كبيرة بين الانبعاثات الواقعية والانبعاثات المأمولة. وفي ظل السياسات الحالية، هناك احتمال يصل إلى الثلثين أن تواصل درجات الحرارة العالمية ارتفاعها بمقدار 3 درجات مئوية في القرن الحالي.
ويتضمن تقرير "متحدون في العلوم" بواعث تشتد الحاجة إليها وتدعونا إلى التشبث بالأمل. إذ يستكشف التقرير كيف تسهم التطورات التي تشهدها العلوم الطبيعية والاجتماعية والتكنولوجيات الجديدة والابتكار في تعزيز فهمنا لنظام الأرض، وكيف يمكن لهذه التطورات أن تُغيِّر قواعد اللعبة فيما يتصل بالتكيف مع تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث والتنمية المستدامة.
تقول البروفيسورة سيليستى ساولو، الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: "يجب علينا الآن أن نتخذ إجراءات عاجلة وطموحة لدعم التنمية المستدامة والعمل المناخي والحد من مخاطر الكوارث. والقرارات التي نتخذها اليوم قد تمثل الفرق بين الإخفاق في المستقبل أو المضي قدماً نحو عالم أفضل".
وأضافت ساولو: "كان ظهور الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي إيذاناً بظهور تكنولوجيات تحويلية محتملة من شأنها أن تُحدِث ثورة في مجال التنبؤ بالطقس وأن تجعله أسرع وأقل تكلفة وأيسر منالاً. وتكنولوجيات السواتل المتطورة وتقنيات الواقع الافتراضي، التي تربط بين العالمين المادي والرقمي، تفتح آفاقاً جديدة في مجالات مثل إدارة الأراضي والمياه".
واستدركت ساولو قائلة: "ومع ذلك، لا يمكن للعلوم والتكنولوجيا وحدهما معالجة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والتنمية المستدامة. وفي عالم يزداد تعقيداً، يجب علينا أن نأخذ بشتى المعارف وأن نتبنى الخبرات ووجهات النظر المتنوعة ونحن نضع الحلول معاً".
ويقول التقرير - الذي جمعه اتحاد يضم وكالات الأمم المتحدة ودوائر للأرصاد الجوية وهيئات علمية وبحثية - إن مؤتمر القمة المعني بالمستقبل، الذي تعقده الأمم المتحدة، يمثل فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل جيل لإنعاش وإعادة تحفيز التزامنا الجماعي بالأهداف العالمية. ويرحب التقرير كذلك بإسهامات الشباب والعلميين في مقتبل مشوارهم العملي، فهم عناصر التغيير في المستقبل.
United in Science 2024 - Key Messages
حالة علم المناخ: الحاجة إلى إجراءات مناخية عاجلة وطموحة
أدى تغير المناخ، الناجم عن الأنشطة البشرية، إلى تغيرات واسعة النطاق وسريعة في الغلاف الجوي والمحيطات والغلاف الجليدي والمحيط الحيوي. وكان عام 2023 هو العام الأحر على الإطلاق وبهامش كبير، وشهد هذا العام ظواهر جوية متطرفة وواسعة النطاق. واستمر هذا الاتجاه في النصف الأول من عام 2024.
وارتفعت الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري بنسبة 1.2% بين عامي 2021 و2022، وبلغت 57.4 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. كذلك، ارتفع المتوسط العالمي للتركيزات السطحية لثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4) وأكسيد النيتروز (N2O) إلى مستويات قياسية جديدة.
وعندما اعتُمِد اتفاق باريس، كان من المتوقَّع أن تزيد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 16% بحلول عام 2030 مقارنة بمستوياتها في عام 2015. والآن، تبلغ هذه الزيادة المتوقَّعة 3%، وهو ما يشير إلى إحراز تقدم في هذا الصدد. ومع ذلك، لا تزال الفجوة في الانبعاثات المُحدَّدة لعام 2030 مرتفعة. وحتى يتسنى لنا تحقيق الهدف المتمثل في الحد من ظاهرة الاحترار العالمي دون درجتين مئويتين و1.5 درجة مئوية (فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية)، يجب خفض الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري في عام 2030 بنسبة 28% و42% على التوالي عن مستويات الانبعاثات التي من المتوقَّع أن تحققها السياسات المعمول بها حالياً.
وبفضل السياسات الحالية والمساهمات المُحدَّدة وطنياً (التي تمثل الجهود الوطنية الرامية إلى الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين بكثير)، تشير التقديرات إلى أن الارتفاع في درجات الحرارة العالمية سيكون عند 3 درجات مئوية بحد أقصى طوال القرن. وتشير التوقعات إلى أن الحد من الارتفاع في درجات الحرارة العالمية عند درجتين مئويتين لن يتحقق إلا في ظل أكثر السيناريوهات تفاؤلاً عندما تُنفَّذ جميع المساهمات المُحدَّدة وطنياً والمشروطة تنفيذاً كاملاً ويجري الوفاء تماماً بالتعهدات بخفض صافي الانبعاثات إلى الصفر، مع احتمال لا يتعدى 14% أن يظل هذا الارتفاع في درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
وهناك احتمال نسبته 80% أن يتجاوز المتوسط العالمي لدرجة الحرارة القريبة من السطح 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية في عام واحد على الأقل من الأعوام الخمسة المقبلة، واحتمال بنسبة 47% أن يتجاوز المتوسط العالمي في السنوات الخمس 2024-2028 عتبة 1.5 درجة مئوية؛ وهي العتبة التي وضعها اتفاق باريس للإشارة إلى متوسط الارتفاع في درجات الحرارة على المدى الطويل خلال فترة تزيد على 20 عاماً.
وهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تهدف في آنٍ واحد إلى التخفيف من الآثار الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ وإلى التكيف مع هذه الظاهرة.
ومع ذلك، لا يزال بلد واحد من بين كل ستة بلدان يفتقر إلى أداة وطنية لتخطيط التكيف، ولا تزال هناك فجوة مالية كبيرة مع انخفاض تدفق التمويل الدولي العام للتكيف منذ عام 2020.
الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: ثورة في التنبؤ بالطقس
في ظل التقدم التكنولوجي السريع، يمكن للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أن يجعلا النمذجة الماهرة للطقس أسرع وأقل تكلفة وأيسر منالاً للبلدان ذات الدخل المنخفض والقدرات الحاسوبية المحدودة.
وفي العادة، يعتمد التنبؤ بالطقس على النماذج الفيزيائية من خلال عملية تُعرَف باسم التنبؤ العددي بالطقس. ويجري تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي/ التعلم الآلي على مجموعات البيانات الخاصة بإعادة التحليل والرصد، وهذه النماذج تجعل التنبؤ بالطقس أسرع وأقل تكلفة. وقد أُجريت بعض التقييمات التي أثبتت إمكانات الذكاء الاصطناعي/ التعلم الآلي في التنبؤ بالظواهر الخطرة مثل الأعاصير المدارية والتنبؤات الطويلة الأجل بظاهرتي النينيو والنينيا.
والفرص السانحة هائلة، غير أن التحديات الماثلة كثيرة أيضاً، وتتمثل على وجه الخصوص في جودة البيانات المحدودة وقلة البيانات المتوافرة. ولا تتضمن النماذج الحالية للذكاء الاصطناعي/ التعلم الآلي المتغيرات التي يصعب كثيراً التنبؤ بها والمتعلقة بالمحيطات واليابسة والغلاف الجليدي ودورة الكربون.
ولا بد من إرساء حوكمة عالمية قوية لضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي/ التعلم الآلي الصالح العالمي. وسيكون من المهم جداً تعزيز الشفافية لبناء الثقة ووضع معايير للاستخدام المسؤول.
رصد الأرض من الفضاء
حدثت على مدار العقود الأخيرة تطورات مذهلة في رصد الأرض من الفضاء باتت تتيح فرصاً هائلة للمستقبل.
والرصدات ذات الاستبانة العالية والتواتر المرتفع لنظام الأرض ذات أهمية حاسمة للتنبؤ الفعال بالطقس والمناخ ومراقبة البيئة بكفاءة.
أما الابتكارات في مجال رصد الأرض من الفضاء، فيمكن استخدامها في تعزيز تطبيقات الطقس والمناخ والماء والتطبيقات البيئية ذات الصلة، من خلال الاستفادة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
بَيْدَ أن هناك تحديات كبيرة تحدُّ من الاستفادة الكاملة من رصدات الأرض من الفضاء بما يدعم الأهداف العالمية. ولا تزال هناك فجوات في القياس الدقيق للمتغيرات الحرجة المتعلقة بالمحيطات والمناخ والهباء الجوي والهيدرولوجيا، وفي تغطية المناطق التي تُنفَّذ بها رصدات قليلة، مثل الغلاف الجليدي.
وبالإضافة إلى ذلك، تواجه البلدان - لا سيما البلدان النامية - مشكلة تتمثل في إمكانية الوصول إلى البيانات وتوحيدها.
والتعاون الدولي، والأطر الشاملة لحوكمة نظم الرصد المتكاملة، والنماذج المبتكرة للتمويل كلها عوامل لا غنى عنها لدعم رصد الأرض من الفضاء من أجل تطوير تطبيقات الطقس والمناخ والماء والتطبيقات البيئية ذات الصلة.
الربط بين العالمين الافتراضي والمادي: الاستفادة من التقنيات الاندماجية لإدارة المياه والأرض
تؤدي الآثار الاجتماعية والاقتصادية وتغير المناخ إلى إجهاد موارد المياه والأراضي، وهو ما يهدد الأمن الغذائي والمائي. ويمكن للتقنيات الاندماجية (immersive technologies)، مثل التوائم الرقمية والواقع الافتراضي والميتافيرس، أن تحدث ثورة في الإدارة المتكاملة للأراضي والمياه من خلال تقديم حلول تفاعلية تعتمد على البيانات وتربط بين العالمين المادي والرقمي. فهذه التقنيات - التي تستطيع محاكاة الفيضانات والجفاف، والتنبؤ بتدفق المياه وتراكمها، فضلاً عن تدهور الأراضي - يمكنها أن تدعم عملية صنع القرار وأن تعزز التعاون مع مختلف الجهات الفاعلة.
وتُعرَّف التوائم الرقمية بأنها تمثيل افتراضي مصمم ليعكس بدقة كائناً أو نظاماً مادياً. أما الميتافيرس فهو نظام إيكولوجي تكاملي من العوالم الافتراضية يوفر تجارب اندماجية.
ومن التحديات الماثلة قلة توافر البيانات وجودتها المحدودة، وعدم كفاية الفرص للوصول إلى آليات التمويل المستدام، وأطر الحوكمة الفعالة، وانعدام ثقة الجمهور وعدم استيعابه للأمور.
ويُعَد التعاون الدولي، وتبادل المعارف، والأطر القوية المتعددة الأطراف عوامل حاسمة لاعتماد هذه الحلول المبتكرة.
نحو مسارات تفضي إلى مستقبل مستدام: دور النهج المشتركة بين التخصصات
يتعذر على شكل واحد من أشكال المعرفة أن يتصدى منفرداً للتحديات العالمية، مثل تغير المناخ والحد من مخاطر الكوارث والتنمية المستدامة، فهذه التحديات تتطلب نهجاً مشتركاً بين التخصصات يوحِّد صفوف الجهات الفاعلة في السياقات البيئية والاجتماعية والثقافية حتى تشترك معاً في إيجاد الحلول وتنفيذها.
وغالباً ما ينصب تركيز النهج التقليدية على فهم أبعاد العلوم الطبيعية والاجتماعية والسياسة والمجتمع كل منها بمعزل عن الآخر.
ويجمع النهج المشترك بين التخصصات بين مختلف الجهات الفاعلة - مثل العلماء وواضعي السياسات والمهنيين والمجتمع المدني، بما في ذلك المجتمعات المحلية والسكان الأصليون - حتى تشترك معاً في توليد المعارف ووضع الحلول ذات الصلة بالسياقات المحلية. وهذا النهج المشترك بين التخصصات يختلف عن النهج المتعدد التخصصات الذي يتناول فيه خبراء من تخصصات مختلفة موضوعاً واحداً كل منهم بمعزل عن الآخر.
فمثلاً، يؤدي إشراك العلماء وواضعي السياسات والمهنيين والمجتمعات المحلية والسكان الأصليين منذ البداية إلى إثراء فهمنا لآثار تغير المناخ على أرض الواقع، وطرح وجهة نظر أكثر اكتمالاً.
ومن شأن هذا النهج كذلك أن يعزز الثقة في مؤسسات مثل المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا (NMHSs).
مستقبل يتمتع فيه الجميع بالحماية من خلال نظم الإنذار المبكر المُنقِذة للحياة
تكتسي نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة (MHEWS) أهمية حاسمة لحماية الأرواح وسبل العيش والبيئة. وتشير البراهين إلى أن معدل الوفيات الناجمة عن الكوارث، في البلدان ذات التغطية المحدودة إلى المتوسطة بنظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة، أعلى بنحو ستة أضعاف منه في البلدان التي تتمتع بتغطية كبيرة إلى شاملة بهذه النظم.
وتهدف مبادرة الإنذار المبكر للجميع (EW4All) إلى ضمان حماية كل شخص على وجه الأرض من الظواهر الجوية أو المائية أو المناخية الخطرة، من خلال نظم الإنذار المبكر المنقذة للحياة بحلول نهاية عام 2027. وأكدت هذه المبادرة أهمية الأخذ بالعلوم الطبيعية والاجتماعية والتقدم التكنولوجي وتبني النهج المشتركة بين التخصصات.
وسيشهد المستقبل دوراً محورياً للابتكار في العلوم والتكنولوجيا والأدوات - مثل الذكاء الاصطناعي، والمنصات المتعددة القنوات والمنصات الرقمية للتواصل، والعلوم التشاركية - في توسيع نطاق العمل بشأن مبادرة الإنذار المبكر للجميع بين أصحاب المصلحة المعنيين بها. ويمكننا، من خلال تسخير هذه التطورات وضمان دعمها بالموارد الكافية، أن نحقق تقدماً يُغيِّر قواعد اللعبة لضمان أن تصبح مبادرة الإنذار المبكر للجميع حقيقة تعيشها المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
UiS 2024 Logos
United in Science 2024 - Video Summary
ملاحظات للمحررين
"متحدون في العلوم" تقرير يصدر مرة كل عام. ويتناول هذا التقرير، في فصوله التي تجمعها وكالات ومنظمات متعددة، أحدث ما وصلت إليه علوم الطقس والمناخ والماء والعلوم البيئية والاجتماعية فيما يتعلق بالمستقبل. ويشمل الشركاء المساهمون في نسخة عام 2024 من هذا التقرير: المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، ودائرة الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، ومجموعة المنظمات غير الحكومية المعنية بالأطفال والشباب المنشأة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (YOUNGO)، وبرنامج المراقبة العالمية للغلاف الجوي (GAW) التابع للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والبرنامج العالمي لبحوث الطقس (WWRP) التابع للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والبرنامج العالمي للبحوث المناخية (WCRP)، ومشروع الكربون العالمي (GCP)، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، والمركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى (ECMWF)، ومكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA)، والمنظمة الأوروبية لاستخدام سواتل الأرصاد الجوية (EUMETSAT)، والاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، والمجلس الدولي للعلوم (ISC)، ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC)، ومبادرة أرض المستقبل.