كلمة الأمينة العامة للمنظمة بمناسبة اليوم العالمي للأرصاد الجوية لعام 2025
الأعضاء الأفاضل، الزميلات والزملاء الأعزاء، الأصدقاء الكرام
أهنئكم بمناسبة اليوم العالمي للأرصاد الجوية. كل عام والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية بخير بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيسها لتكون الصوت الرسمي والمرجعي للأمم المتحدة بشأن الطقس والمناخ والماء.
ونحتفل اليوم – بل سنحتفل طوال هذا العام – بمساهمة المنظمة وأعضائها في إنقاذ الأرواح، وخدمة المجتمعات، وحماية كوكبنا.
فالعاملون في المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا مثلهم مثل الأطباء وطواقم التمريض – يعملون بدأب على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع دون كلل أو ملل لحماية وتعزيز رفاهية الناس. وأود أن أشكركم جميعاً؛ فرداً فرداً.
ولا يجب اختزال دورنا في التنبؤ بالأحوال الجوية فحسب.
فالبيانات والمعلومات والخدمات العلمية التي يقدمها مجتمع المنظمة هي الأساس الذي تستند إليه القرارات بشأن مختلف مناحي الحياة من الأنشطة الترفيهية اليومية إلى زراعة المحاصيل الموسمية والاستثمارات الطويلة الأجل في البنية التحتية.
وطيلة السنوات الخمس والسبعين الماضية، أسهمنا في الاقتصاد العالمي بقيمة مضافة بلغت مليارات الدولارات. ووفرنا مليارات كثيرة أخرى عندما جنَّبنا العالم خسائر اقتصادية كانت ستحدث بسبب الأخطار المتعلقة بالطقس والمناخ والماء. وأنقذنا مئات الآلاف من الأرواح.
إن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تجعل العالم أكثر أمناً وأماناً وازدهاراً. وتبادل البيانات والنواتج والخدمات المتعلقة بالطقس، مجاناً ودون قيود، أم ٌر بالغ الأهمية للأمن الوطني والقطاعات التي تتأثر بالمناخ. ومنها على سبيل المثال قطاعات الزراعة، والطيران، والشحن البحري، والطاقة، وإدارة المياه، والصحة.
فالمنظمة هي العمود الفقري والجهاز العصبي المركزي للتنبؤ بالطقس في العالم.
وفي كل دقيقة على مدار اليوم، تستقبل مراكز التنبؤ بالطقس البيانات الواردة من محطات الرصد والمراقبة في جميع أنحاء العالم. وتُجرى ملايين القياسات الفردية – عن طريق المحطات الأرضية، ومناطيد الرصد الجوي، والمحطات العائمة في المحيطات، والسفن، والسواتل، والطائرات، وأكثر من ذلك.
ومن دون المنظمة ودورها التنسيقي في هذا الشأن وشبكتها الموحدة، كان على البلدان – كل على حدة – أن تواجه مهمة مستحيلة لجمع البيانات العالمية.
وفي هذه الأوقات القَ ِلقة والعصيبة، تتجلى أهمية التعاون الدولي أكثر من أي وقت مضى.
فقد شهد العالم 10 سنوات كانت الأحر على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة. ومن ال ُمر َّجح أن يكون عام 2024 أول سنة تقويمية ترتفع فيها درجات الحرارة مؤقتاً إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ويؤسفني القول إنها لن تكون الأخيرة.
وهذه ليست مجرد إحصاءات.
فأي جزء من كل درجة من درجات الحرارة يؤثر على حياتنا وأقواتنا.
والآثار التي تُخ ِلفها ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة باتت أكثر حدة. وأصبحنا نشهد موجات حر ذات تواتر أكثر وشدة أعلى، وعواصف وفيضانات أكثر تدميراً، وأعاصير مدارية تزداد شدتها بسرعة عقب تش ُّكلها.
وبين عامي 1970 و2021، أفادت التقارير بأن العالم قد ُمني بخسائر اقتصادية فادحة بسبب الأخطار الجوية والمناخية والمائية، بلغت قيمتها 4.3 تريليون دولار أمريكي. وأودت هذه الأخطار بحياة أكثر من مليوني شخص.
ولا تزال التكاليف الاقتصادية ترتفع ارتفاعاً حاداً، لكن عدد الوفيات آخذ في الانخفاض. والسبب ببساطة أننا اليوم أفضل من أي وقت مضى في إنقاذ الأرواح.
وتتمثل أولويتنا القصوى والمطلقة في ضمان أن تحمي نظم الإنذار المبكر الجميع في كل مكان.
ولذلك، فإن موضوع اليوم العالمي للأرصاد الجوية هذا العام هو "معاً لسد الفجوة في نظم الإنذار المبكر".
وإننا فخورون بعرض التقدم ال ُمح َرز في هذا الشأن مع بلوغنا منتصف المدة المحددة لمبادرة الإنذار المبكر للجميع. ففي عام 2024، أفادت 108 بلدان أن لديها بعض القدرات الخاصة بنظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة. وهذا أكثر من ضعف عدد البلدان التي امتلكت هذه القدرات في عام 2015، وكان آنذاك 52 بلداً.
ولكن علينا أن نُح ِلق أبعد من ذلك، وأن نمضي قُ ُدماً بوتيرة أسرع.
ويجب علينا: • أن نبتكر معاً لتعزيز التكنولوجيات. • أن نتكاتف معاً لتوطيد أواصر التعاون في البلدان. • أن نستثمر معاً لإيجاد الموارد وتعبئتها ومشاركتها.
إن الإنذار المبكر للجميع أكثر من مجرد مبادرة الآن. بل إنها علامة تجارية مميزة. إنها غاية طموحة. وإننا مصممون على النجاح. ونعمل الآن على توسيع نطاق الدعم ليشمل بلداناً أخرى غير البلدان الثلاثين التي ركزت عليها المبادرة. ونسعى أيضاً إلى تعزيز الشراكات مع الجهات المانحة الثنائية والمتعددة الأطراف، والمصارف الإنمائية،
وصناديق المناخ من أجل زيادة الموارد وتوثيق ُعرى التعاون. ونعمل على تعزيز القدرات الإقليمية لضمان إحداث أثر مستمر. ونزكي روح المسؤولية والشعور بالملكية فنجعل البلدان تمسك بدفة القيادة وتتولى زمام الأمور. وإننا ملتزمون بتعزيز قوة التنبؤ. والتطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي ي ِعدان بإحداث ثورة في مجال التنبؤ بالطقس. لكن علينا أن نهيئ الظروف المواتية وأن نضمن أ َّلا يتخلف أحد عن الركب. وعلينا أن نسد الفجوات في البيانات
والرصدات.
لقد حان الوقت الآن. ومن خلال العمل الآن والاستثمار المشترك والابتكار الجماعي، يمكننا أن نفي بوعد مبادرة الإنذار المبكر للجميع.
إنه واجب إنساني وأخلاقي. وله وجاهته من الناحية الاقتصادية. وعالمياً، تشير التقديرات إلى أن كل دولار أمريكي يُستث َمر في نظم الإنذار المبكر سيُد ُّر تسعة أضعافه من الفوائد الاقتصادية الصافية. بل إن الرقم أعلى من ذلك في بعض المناطق.
ولذلك، أدعو الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى تعزيز الاستثمارات في المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا. فهذا هو السبيل إلى تحقيق التنمية الاجتماعية-الاقتصادية على الصعيدين الوطني والدولي.
وختاما ً،
لقد نجحت المنظمة، طوال السنوات الخمس والسبعين الماضية، في تحويل العلوم إلى إجراءات لما فيه خير العالم.
وفي هذا اليوم العالمي للأرصاد الجوية، دعونا نؤكد من جديد التزامنا بعالم أكثر أماناً واستدامة. فهذا واجبنا تجاه أطفالنا وحقهم علينا.
شكراً لكم.