استنفاد الأوزون في المنطقة القطبية الشمالية يصل إلى مستوى قياسي

04 أيار/ مايو 2020

استنفاد طبقة الأوزون، وهي الدرع الذي يحمي الحياة على الأرض من المستويات الضارة للأشعة فوق البنفسجية، يبلغ مستوى لم يسبق له مثيل في أجزاء كبيرة من المنطقة القطبية الشمالية هذا الربيع. وقد نجمت هذه الظاهرة عن استمرار وجود مواد مستنفدة للأوزون في الغلاف الجوي وعن الشتاء البارد جداً في الستراتوسفير (طبقة الغلاف الجوي الموجودة على ارتفاع يتراوح بين حوالي 10 كيلومترات و50 كيلومتراً).

 

استنفاد طبقة الأوزون، وهي الدرع الذي يحمي الحياة على الأرض من المستويات الضارة للأشعة فوق البنفسجية، يبلغ مستوى لم يسبق له مثيل في أجزاء كبيرة من المنطقة القطبية الشمالية هذا الربيع. وقد نجمت هذه الظاهرة عن استمرار وجود مواد مستنفدة للأوزون في الغلاف الجوي وعن الشتاء البارد جداً في الستراتوسفير (طبقة الغلاف الجوي الموجودة على ارتفاع يتراوح بين حوالي 10 كيلومترات و50 كيلومتراً).[[{"fid":"18448","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"attributes":{"style":"height: 402px; width: 350px; margin: 10px; float: right;","class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

وآخر مرة لوحظ فيها استنفاد قوي مماثل للأوزون في المنطقة القطبية الشمالية كان خلال ربيع عام 2011، غير أن استنفاد الأوزون في عام 2020 أقوى حتى من ذلك، وفقاً لمحطات رصد الأوزون التابعة للمراقبة العالمية للغلاف الجوي (GAW) التابعة للمنظمة (WMO)، والإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (NASA)، وخدمة كوبرنيكوس لمراقبة الغلاف الجوي التي يشغّلها المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى (ECMWF).

وقد اِلتَأم ثقب الأوزون في نيسان/ أبريل مع زيادة في درجات الحرارة الستراتوسفيرية بلغت ذروتها في تدفق الهواء الغني بالأوزون من الغلاف الجوي الأدنى.

ولو لم يكن هناك اتفاق دولي ناجح يسمى بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون لكان الاستنفاد أسوأ حتى من ذلك. ذلك أن هذا البروتوكول قد أدى إلى التخلص تدريجياً من مواد مثل مركبات الكلورفلوركربون (CFCs). ولكن هذه المواد تبقى في الغلاف الجوي لعدة عقود ولا تزال تركيزاتها عالية بما يكفي للتسبب في تدمير شديد للأوزون.

وقد أشار الأمين العام للمنظمة (WMO)، السيد بيتيري تالاس إلى أن "الستراتوسفير في المنطقة القطبية الشمالية لايزال عرضة للمواد المستنفدة للأوزون والمرتبطة بالأنشطة البشرية ... وتعتمد درجة فقدان الأوزون المشهود في شتاء بعينه على ظروف الأحوال الجوية ... ويدل فقدان الأوزون في 2020 على ضرورة أن نظل يقظين وأن نحافظ على استمرار عمليات الرصد".

وأضاف "المحطات التابعة للمراقبة العالمية للغلاف الجوي (GAW) التابعة للمنظمة (WMO) في المنطقة القطبية الشمالية والمنطقة القطبية الجنوبية توافينا بإنذارات مبكرة حال انخفاض مستويات الأوزون واحتدام مستويات الأشعة فوق البنفسجية ... وإننا نشيد بالمرافق الوطنية للأرصاد الجوية على استمرارها في الأنشطة الحيوية لمراقبة ورصد الغلاف الجوي على الرغم من القيود التي يفرضها فيروس كورونا (COVID-19)".

الدوامة القطبية

العوامل الدافعة لتكوين ثقب الأوزون هي درجات الحرارة الباردة للغاية (أقل من -80 درجة سلسيوس)، وأشعة الشمس، وحقول الرياح، والمواد الكيميائية الضارة. ويحدث الجزء الأكبر من استنفاد الأوزون في المنطقة القطبية الشمالية داخل ما يسمى الدوامة القطبية: وهي منطقة تهب فيها سريعاً رياح دائرية تزداد حدتها في الخريف وتعزل كتلة الهواء داخل الدوامة، مما يبقي على برودتها الشديدة.

وفي هذا الشتاء (2020-2019) كانت شدة استنفاد الأوزون في المنطقة القطبية الشمالية مدعومة بظواهر "موجات" ضعيفة بشكل غير عادي في الغلاف الجوي العلوي. وهذه الموجات تدفع كتلاً من الهواء عبر الغلاف الجوي العلوي تنتقل من الغلاف الجوي السفلي في خطوط العرض الوسطى، مما يحدث اضطرابات بالدوامة حول المنطقة القطبية الشمالية ويجلب الهواء الغني بالأوزون من أجزاء أخرى من الستراتوسفير.

وإضافة إلى ذلك، كانت الدوامة القطبية الستراتوسفيرية فوق المنطقة القطبية الشمالية قوية ومقترنة بدرجات حرارة منخفضة جداً ومستمرة لفترة طويلة من الزمن، مما يشجع على نشوء منطقة كبيرة من السحب الستراتوسفيرية القطبية والعمليات الكيميائية التي تستنفد الأوزون مع ظهور الشمس فوق المنطقة القطبية الشمالية.

ونتيجة لهذه الظروف الجوية غير العادية، وصلت تركيزات الأوزون فوق المنطقة القطبية الشمالية إلى مستوى قياسي منخفض في آذار/ مارس، إذ انخفضت إلى أقل من 220 وحدة دوبسون، وهو ما يُعتبر عادة "مستوى ثقب الأوزون"، وكان أقل مستوى لها 205 وحدات دوبسون. وتبلغ عادة أدنى القيم المرصودة للأوزون فوق المنطقة القطبية الشمالية في آذار/ مارس 240 وحدة دوبسون على الأقل.

وقد تسببت الزيادة في درجات الحرارة الستراتوسفيرية في نيسان/ أبريل في تقلص الدوامة القطبية وانقسامها إلى دوامتين أصغر حجماً ومنفصلتين، وسمحت بالاختلاط بالهواء الغني بالأوزون من الغلاف الجوي الأدنى. وأوقف احترار الستراتوسفير في نيسان/ أبريل الظروف التي تدعم التفاعلات اللازمة لاستنفاد الأوزون، والسحب الستراتوسفيرية القطبية، وأنهى ظاهرة الاستنفاد.

ولما كانت الظروف الجوية ودرجات الحرارة تتفاوت من سنة إلى أخرى، فإن شدة استنفاد الأوزون تتفاوت أيضاً. وهذا يعني أن المستويات العالية لاستنفاد الأوزون بشكل عرضي في المنطقة القطبية الشمالية لا تزال ممكنة في بعض الأحيان.

وعادة ما يكون الستراتوسفير في المنطقة القطبية الشمالية أقل عزلة منه في المنطقة القطبية الجنوبية. كما أن درجات الحرارة الستراتوسفيرية في المنطقة القطبية الشمالية لا تنخفض عادة بنفس القدر الذي يحدث في الستراتوسفير في المنطقة القطبية الجنوبية، كما أنها لا تظل منخفضة لفترة طويلة من الزمن.

وكانت الرقعة القصوى لثقب الأوزون في المنطقة القطبية الشمالية هذا الربيع أصغر بكثير مقارنة بالرقعة المعتادة للثقب في المنطقة القطبية الجنوبية. وكانت قيمة ثقب الأوزون في عام 2019 فوق المنطقة القطبية الجنوبية هي أقل قيمة مسجلة منذ اكتشاف ثقب الأوزون.

ويراقب العلميون ما مدى تأثير تغير المناخ على تبريد الستراتوسفير، مما يعزز إمكانيات رصد درجات الحرارة تحت -78 درجة سلسيوس، ولا سيما في المنطقة القطبية الشمالية. فدرجات الحرارة هذه لازمة لتشكيل السحب الستراتوسفيرية القطبية.

الأشعة فوق البنفسجية

لدى الشبكة العالمية لمراقبة الغلاف الجوي التابعة للمنظمة (WMO) محطات في المنطقة القطبية الشمالية، وهذه المحطات تجري قياسات عالية الجودة لكل من الأوزون والأشعة فوق البنفسجية (UV).

وتشبه ظروف عام 2020 ظروف ربيع عام 2011 عندما كان فقدان الأوزون فوق المنطقة القطبية الشمالية يناهز 50 في المائة. وقد أدى استنفاد الأوزون في المنطقة القطبية الشمالية إلى زيادة الأشعة فوق البنفسجية السطحية في ربيع عام 2011، إذ لاحظ العلميون زيادة بنسبة 60 في المائة في مؤشر الأشعة فوق البنفسجية في المنطقة القطبية الشمالية الكندية، بل وزيادة أكبر في شمال أوروبا.

وعلاوة على ذلك، يؤثر استنفاد الأوزون في المنطقة القطبية الشمالية على الميزانية الإجمالية للأوزون مما يؤدي إلى زيادة مستويات الأشعة فوق البنفسجية في فصل الصيف فوق كندا وأوروبا. واستناداً إلى مستويات الأوزون في فصل الربيع، تُقدم كل عام توقعات الأشعة فوق البنفسجية الموسمية الصيفية للجمهور في مختلف البلدان.

بروتوكول مونتريال

يبين أحدث تقييم علمي أجرته المنظمة (WMO) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) لاستنفاد الأوزون أن طبقة الأوزون في أجزاء من الستراتوسفير تتعافى بمعدل يتراوح بين 1 و3 في المائة كل عقد منذ عام 2000. ووفقاً للمعدلات المتوقعة، يُنتظر أن يتعافى الأوزون تماماً في خطوط العرض الوسطى في المنطقة القطبية الشمالية ونصف الكرة الشمالي قبل منتصف القرن (تقريباً في عام 2035)، تليها خطوط العرض الوسطى في نصف الكرة الجنوبي في منتصف القرن تقريباً، وفي المنطقة القطبية الجنوبية بحلول عام 2060.

ولولا بروتوكول مونتريال، لكان تدمير الأوزون هذا العام أسوأ من ذلك على الأرجح. وقد تم تدريجياً التخلص، بموجب بروتوكول مونتريال، من المواد المستنفدة للأوزون مثل مركبات الكلورفلوركربون (CFCs) والهالونات، التي كانت موجودة فيما سبق في الثلاجات وعلب الأيروسولات وطفايات الحريق. ومع ذلك، فقد مكنّت قياسات الغلاف الجوي وتحليله من الكشف عن تجدد انبعاثات بعض المواد الخاضعة للرقابة، مع يعزز أهمية الرصد المستمر لهذه المكونات.

شارك: