أوروبا يغمرها الحر هذا الصيف

17 تموز/ يوليو 2019

شهدت أوروبا موجة حر مبكرة على غير المعتاد وشديدة بشكل استثنائي، وسجلت بذلك أرقاما قياسية جديدة، وأكدت أن شهر يونيو/حزيران كان أكثر الأشهر المسجلة حرارة في القارة، إذ بلغ تجاوز متوسط درجة الحرارة المعدل الطبيعي بدرجتين سلسيوس. وتشكل درجات الحرارة المرتفعة تهديداً كبيراً لصحة الناس والزراعة والبيئة، لكن التقارير الأولية أشارت إلى أن الإنذارات المبكرة المتصلة بالحرارة والصحة قد مكنت من الحد من عدد الوفيات.

شهدت أوروبا موجة حر مبكرة على غير المعتاد وشديدة بشكل استثنائي، وسجلت بذلك أرقاماً قياسية جديدة، وأكدت أن شهر يونيو/حزيران كان أكثر الأشهر المسجلة حرارة في القارة، إذ بلغ تجاوز متوسط درجة الحرارة المعدل الطبيعي بدرجتين سلسيوس. وتشكل درجات الحرارة المرتفعة تهديداً كبيراً لصحة الناس والزراعة والبيئة، لكن التقارير الأولية أشارت إلى أن الإنذارات المبكرة المتصلة بالحرارة والصحة قد مكنت من الحد من عدد الوفيات.

وتتسق موجات الحر هذه مع سيناريوهات المناخ التي تتنبأ بموجات حرارة أكثر تواتراً وطولاً وشدة، إذ تؤدي تركيزات غازات الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

وتشير دراسة نشرها علميون في مجلة World Weather Attribution بشأن مساهمة الإنسان في موجة الحر القياسية التي شهدتها فرنسا في شهر يونيو/حزيران 2019 إلى أن "كل موجات الحر التي تحدث في أوروبا اليوم أصبحت أكثر حدة، وتنجم على الأرجح بسبب تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية".

كما تشير الدراسة إلى أن "عمليات الرصد تظهر زيادة كبيرة جدًا في درجة الحرارة خلال موجات الحرارة هذه. ويُقدّر حاليًا أن هذه الظاهرة تتكرار كل 30 عامًا، ولكن لو كانت هذه الظاهرة قد حدثت قبل قرن من الزمن لكان من المرجح أن تكون أقل حرًا بأربع درجات سلسيوسا. وبعبارة أخرى، فموجة حر شديدة بهذا الشكل تتكرر على الأقل 10 مرات اليوم مقارنة بما كان يحدث قبل قرن".

وجاءت الأيام الخمسة التي سجلت درجات حرارة مرتفعة بشكل استثنائي، في أعقاب درجات حرارة قياسية في اتجاه شرق أوروبا. وأدى ذلك إلى أن يسجل في هذا الشهر درجات حرارة تجاوزت الرقم القياسي السابق لشهر يونيو/حزيران الذي سجل في عام 1999 بحوالي درجة سلسيوس، وتجاوزت كذلك ما كان متوقعًا وفقاً للاتجاه المشهود في العقود الأخيرة بحوالي درجة سلسيوس، وفقًا لمصلحة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للمركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى ( ECMWF).

وفي 28 يونيو/حزيران، سجلت فرنسا درجة حرارة قياسية جديدة بلغت 45.9 درجة سلسيوس في مدينة Gallargues-le-Montueux، كما سجلت محطتان أخريان للرصد درجات حرارة أعلى من 45 درجة سلسيوس - وهي المرة الأولى التي يحدث فيها تجاوز لهذا الحد منذ بدء السجلات الحديثة.

وجاء في تصريح للمرفق الوطني للأرصاد الجوية بفرنسا أن: "هذا المستوى من درجات الحرارة التي تبلغ 45.9 درجة سلسيوس لا يمكن للمرء أن يتوقعه إلا في شهر أغسطس/آب في بلدة فرنيس كريك، منطقة وادي الموت، بكاليفورنيا (التي سجلت بها أعلى درجة حرارة في العالم)".

French temperature record set 28 June

وسجلت زهاء 13 محطة رصد الرقم القياسي الوطني السابق للحرارة البالغ 44.1 درجة سلسيوس، والذي سجل خلال موجة الحرارة في أغسطس 2003. وسجلت العديد من محطات الرصد أرقاما قياسية مقارنة بدرجات الحرارة القصوى، أو مقارنة بالدرجات القياسية المسجلة في يونيو/حزيران. كما تم تحطيم العديد من درجات الحرارة الدنيا القياسية خلال الليل، وسُجل رقم قياسي وطني جديد لمتوسط درجات الحرارة الدنيا المسجلة (نهاراً وليلاً)، قدره 27.9 درجة سلسيوس في 27 يونيو/حزيران.

واجتاحت إسبانيا أيضًا موجة حر فاقت 40 درجة سلسيوس، من 27 إلى 30 يونيو/حزيران. ونتيجة لذلك، لايزال خطر اندلاع حرائق في شمال شرق إسبانيا يتراوح مستواه بين عال جداً وشديد. وقد أصدرت الوكالة الإسبانية الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا مقالاً مفصلاً عن "موجة الحر في يونيو/حزيران 2019 في سياق أزمة المناخ."

هذا، وقد صرحت الوكالة الوطنية للأرصاد الجوية بألمانيا أنه تم تسجيل رقم قياسي جديد لدرجة الحرارة في يونيو بلغ 39.6 درجة مئوية في 30 يونيو/حزيران. وأشارت إلى أن 243 محطة رصد سجلت درجات قياسية جديدة للحرارة في شهر يونيو/حزيران، وكثير من هذه الأرقام هي أعلى درجات سُجلت على الإطلاق، في حين سجلت 223 محطة درجات حرارة بلغت 35 درجة سلسيوس أو أكثر.

ومن المتوقع أن تكون النمسا قد شهدت أحر شهر يونيو/ حزيران، إذ سجلت درجة حرارة تتجاوز متوسط درجات الحرارة طويلة الأمد وتتجاوز كذلك متوسط عام 2003، بمقدار 4.5 درجة سلسيوس، حسب المرفق الوطني للأرصاد الجوية بالنمسا.

وسجل أكثر من نصف محطات الرصد السويسرية درجات حرارة قياسية جديدة في يونيو/ حزيران يوم الأربعاء. فمن بين 85 محطة، سجلت 43 محطة درجات حرارة قياسية لشهر يونيو/ حزيران، في حين سجلت  ست محطات درجات حرارة قياسية مطلقة، بما فيها محطة دافوس التي تقع على ارتفاع 1594 متراً، إذ سجلت 29.8 درجة سلسيوس. وبلغت موجة الحر في سويسرا ذروتها في 30 يونيو/ حزيران.

وسجلت جمهورية التشيك درجة حرارة قياسية جديدة في يونيو/ حزيران، إذ بلغت 38.9 درجة مئوية في مدينة ودوكساني، كما أبلغت بولندا عن أرقام قياسية. هذا، وقد عرفت المجر أحر شهر يونيو/ حزيران على الاطلاق.

وسجلت درجات حرارة فوق 40 درجة سلسيوس في بعض الأماكن في شمال أفريقيا. وأعرب البعض عن مخاوف جدية بشأن رفاهية اللاعبين المشاركين في كأس الأمم الأفريقية الجاري في مصر نتيجة للحرارة الشديدة.

مراقبة المناخ

أصدر المركز الأوروبي الإقليمي لرصد المناخ التابع للمنظمة (WMO)، الذي تديره وكالة الأرصاد الجوية الألمانية، في 25 يونيو/ حزيران نشرة مناخية في بشأن "درجات حرارة تفوق الدرجات الاعتيادية في أجزاء كبيرة من أوروبا الأسبوع المقبل".

ووفقًا للمركز الإقليمي في أوفنباخ (ألمانيا)، من المتوقع أن تتراوح درجات الحرارة في وسط أوروبا بين 3 و 6 درجات مئوية فوق المتوسط طويل الأمد، وبين درجة واحدة و 3 درجات مئوية فوق المتوسط في باقي المناطق. وينتظر أن تتجاوز درجة الحرارة القصوى اليومية 30 درجة سلسيوس في معظم المنطقة جل الوقت، وأن تتجاوز 35 درجة سلسيوس في بعض المناطق.

وحذر المركز من أن الجفاف قد يصاحب موجة الحر في بعض المناطق، وخاصة في أوروبا الشرقية، بينما من المتوقع حدوث عواصف رعدية متكررة مع سقوط البَرد الكبير أحيانا في شرقي أوروبا الوسطى وجنوب شرق أوروبا. كما يُخشى على الأشخاص المستضعفين خطر الإجهاد الحراري، واحتمال اندلاع حرائق الغابات.

ويوفر المركز الإقليمي لمراقبة المناخ معلومات ارشادية أولية للمرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجية، المسؤولة عن إصدار الانذارات وإسداء المشورة في أراضيها.

الحرارة والصحة

heatwaves pose risk to health

تتعاون المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجية في أوروبا بشكل وثيق مع السلطات الوطنية والمحلية لوضع خطط عمل لتدبير آثار الحرارة على الصحة حماية للأرواح. وقد عملت أنظمة الإنذار المبكر المتصلة بآثار الحرارة على الصحة على تعبئة جهود مرافق الحماية المدنية في جميع أنحاء المنطقة.

وتأتي موجة الحر التي شهدتها أوروبا في أعقاب موجات حر قصوى في أستراليا والهند وباكستان ومناطق في الشرق الأوسط في عام 2019. ومن المتوقع أن يتبعها المزيد خلال هذا الصيف في نصف الكرة الشمالي.

وتقتل موجات الحر آلاف الأشخاص كل عام، وغالبًا ما تؤدي إلى أحداث عرضية مثل حرائق الغابات وأعطاب في الشبكات الكهربائية.

وقد زاد عدد الأشخاص المعرضين لموجات الحر في جميع أنحاء العالم بما يقدر بنحو 126 مليون شخص، بين عامي 2000 و 2016 ، علما بأن زيادة العمران تفاقم هذه الظاهرة. ومن المخاطر الصحية الكبرى المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة الإجهاد الحراري، والتجفف، وأمراض القلب والأوعية والأمراض ذات الصلة.

وأصدرت بعض البلدان إنذارات بالتلوث خلال موجات الحر، وخاصة في المناطق الحضرية. وليست الحرارة وحدها هي التي تؤثر على صحة الناس، فمستويات الأوزون العالية تؤثر بدورها علي صحتهم. فدرجات الحرارة المرتفعة ، وأشعة الشمس المفرطة ، واستطالة الأيام، ووجود سلائف الأوزون، مثل أكسيد النيتروز والمركبات العضوية المتطايرة (VOCs)، تساعد على تكون الأوزون التروبوسفيري، الذي يضر بصحة الإنسان والمحاصيل والنظم الإيكولوجية، فضلاً عن أنه أحد غازات الاحتباس الحراري.

وأصدر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ تقريراً العام الماضي بشأن الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة سلسيوس، يحتوي على معلومات عن تغير المناخ ورفاهية الإنسان. ومن المتوقع أن تزداد المخاطر المرتبطة بالمناخ على الصحة وسبل العيش والأمن الغذائي وإمدادات المياه والأمن البشري والنمو الاقتصادي مع الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة سلسيوس، بل وأن تزداد أكثر وأكثر في ظل زيادة بمقدار درجتين سلسيوس. وأشار الفريق إلى أن قصر ارتفاع درجات الحرارة على 1.5 درجة سلسيوس بدلاً من درجتين قد يؤدي إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يتعرضون لموجات الحر الشديدة إلى 420 مليون شخص.

لذلك، تعمل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) على تكثيف العمل المشترك مع منظمة الصحة العالمية سعياً لمعالجة المخاطر الصحية الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك موجات الحر، وتلوث الهواء، مع التركيز بشكل خاص على المناطق الحضرية. هذا، وتدعم المنظمة (WMO) الشبكة العالمية للمعلومات المتصلة بالصحة والحرارة.

وأصدرت منظمة العمل الدولية دراسة جديدة في 1 تموز/ يوليو، محذرة من أن الزيادة في الإجهاد الحراري الناجم عن تغير المناخ قد تؤدي إلى خسارة إنتاجية تعادل 80 مليون وظيفة، وتؤثر على أفقر البلدان بشكل غير تناسبي.

شارك: